بقلم علاء أبو قشة
الصورة المرفقة: لوحة ديفيد بيك للملك السويد كريستينا، 1650

منذ سنة 1998 تقييم ستوكهولم عاصمة السويد مسيرات الفخر لمجتمع الميم، ولكن هذه السنة كانت أجواء المسيرة  غير اعتيادية وخاصة في درجات الحرارة التي لم تتعود عليها تلك المدينة الباردة.

خلال زيارتي لمدينة ستوكهولم استمتعت أنا ومجموعة من الصحفيين/ات بلقاء أفراد وجمعيات عاملون/ت في مجال حقوق مجتمع الميم، وكذلك الطبيعة التي تتمتع بها المدينة وبالأخص أجواء احتفال الفخر الذي شارك به 60,000 شخص، الذين غطوا شوارع مدينة ستوكهولم بأعلام الرينبو وأعلام  أخرى تعبر عن جنسانيات غير معيارية مختلفة.
في عصر الفخر من يكتب تأريخ الأجساد غير معيارية الجنسانية ؟ هل تنصف كتب التاريخ والمناهج الدراسية وجودنا؟ أم نحن بحاجة أن نعيد كتابة التاريخ بشكل منصف؟=

 

خلفية تاريخية

لم تصل السويد لهذه المرحلة من “الحرية” بسهولة، فقد بدأ العمل للحصول على حريات أفراد مجتمع الميم في 1944 عندما اقترح وزير العدل مشروع قانون لإلغاء تجريم المثلية الجنسية، كانت تُعد  المثلية مرضًا عقليًا حتى سنة 1979، فقد اتخذت النائبة باربروا ويسترهولم (Barbo Westerholm) التي استمتعنا بمقابلتها والتحاور معها – كانت وقتها وزيرة الصحة – قرار إزالة المثلية من قائمة الأمراض العقلية، بمساعدة ونضال الناشطين/ات الحقوقيين/ات، فاستطاعت طرح الفكرة في البرلمان السويدي مع رفض بعض النواب المحافظون ومحاربة هذا القرار، في 1994 وافق البرلمان على مشروع قانون للأزواج من نفس الجنس ليصبحوا شركاء مسجلين، وفي 2002 مرر البرلمان مشروع قانون التبني على قدم المساواة لجميع الأزواج. ولم يصلوا إلى حق الزواج للأشخاص من نفس الجنس إلى سنة 2009.

خلال لقائنا مع النائبة باربروا ويسترهولم

لم تكن رحلة الوصول إلى تقبل الآخر، احترام التنوع، وتطبيق حقوق الإنسان بدون أي تمييز سهلة، فبعد مطالبة الناشطين/ات لإزالة المثلية من قائمة الأمراض العقلية، تخبرنا باربروا أثناء حوارنا اضطر الناشطين وقتها إلى تصعيد الموقف واحتلال درج المجلس الوطني للصحة والرعاية التي كانت ترأسها باربروا. تقول باربروا “اجتمعت بالناشطين/ات واخبروني عن رغبتهم/هن إزالة المثلية من قائمة الأمراض العقلية، ووعدتهم بتنفيذ التغييرات بشكل مباشر، ولم يصدقني أحد في البداية، لكننا استطعنا إجراء التغيير خلال مدة قصيرة نسبيا لا تتجاوز الشهرين”.

هذا القرار أدى إلى فتح طريق إلى تغيير قوانين وتعديلها بناءا على حقوق الإنسان.

 

بين نواس وكريستينا

وخلال القيام بجولة على الأقدام حول مدينة ستوكهولم مع Nadja Karlsson الخبيرة في تاريخ الأشخاص العابرين/ات في السويد.توقفنا على عدة مواقع كويرية مهمة لتاريخ مجتمع الميم، وعند دار الأوبرا السويدية الملكية، شاركتنا بقصة حب سرية بين مغنيين في وقت كانت فيه المثلية ممنوعة، وكيف كانت دار الأوبرا تعتبر مكانا لتقابل أفراد من مجتمع الميم سراً.

وفي هذه الأثناء كنا محاطين بحدائق التي كانت مقابلة لدار أوبرا التي تحتوي على عدة تماثيل لملوك السويد… أخبرتنا Nadja عن كرستينا (1626 – 1689) إحدى ملكات السويد السابقات، والتي لم نجد لها أي تمثال أو معلم يدل على أنها حكمت السويد لفترة من الزمن، مع العلم كانت شديدة الحرص على أمن وأمان السويد ولا بد من ذكر انجازاتها ففي فترة حكمها صدرت أول جريدة سويدية، وكذلك أسست مدرسة في القانون واسعة النطاق.

خلال الجولة حول مدينة ستوكهولم مع Nadja Karlsson الخبيرة في تاريخ الأشخاص العابرين/ات في السويد في مواقع كويرية

تخبرنا Nadja العابرة جنسياً -كما تعرف عن نفسها- خلال الجولة، عن حياة الملكة كريستينا، وربما كانت حياتها الجنسية من أكثر الأمور مدعاة للشك والغموض،  فلقد قام والدها بتربيتها على أنها ذكر، وكان يدعوها بالأمير بدلا من أميرة، بعد ولادتها عندما رأتها الممرضات في البداية ، تم الإعلان عن جنسها كصبي. أخذوا يومًا لتصحيح سوء التقدير خوفًا من رد فعل والدها ، حيث كان أبناً ذكراً وريثاً لعرشه وفي رواية أخرى كان أنها قد تكون متداخلة الجنس وقرر الملك بانها وريثه الشرعي بغض النظر عن الجنس التي ولدت به وسيربيها كأمير كما خطط.

حتى استلمت العرش بعمر 18، لم تسقط كريستينا بسهولة في دور المرأة أو الرجل ، فكسرت أدوار الجنسين في كلا الطرفين من سن مبكرة واستمرت في هذا التقليد حتى يوم وفاتها. وكذلك أخبرتنا عن علاقتها الحميمة مع النساء،  فكانت الملكة ترفض فكرة الزواج، بالإضافة إلى فكرة الحمل وإنجاب الأولاد .

 تخبرنا Nadja ان لا ذكر لها  في كتب التاريخ أو المناهج السويدية المدرسية ، ما يطرح تساؤلاً حول تجاهل كريستينا بهذا الشكل، هل كونها ملكـ/ـة بجنسانية غير معيارية يمحي وجودها من التاريخ؟

وهذه الحادثة ليست بغريبة عن منطقتنا فعلى سبيل المثال وفي عصر الخلافة الاسلامية العباسية أو العصر الذهبي عصر الازدهار الحضاري والتقدم العلمي اللذين أديا إلى جو من الحرية والتسامح لم يعرفه العرب قبلاً ولا بعداً، كانت المثلية الجنسية أمرًا يُكتب عنه ويُناقَش على الملأ بشكل صريح وتلقائي كان أبو نواس     (762_813) شاعر في العصر العباسي الذي لم يخفي ميوله الجنسية المثلية في حياته ولا حتى فيما كتبه من شعر، وكان يعتبر من الشخصيات المهمة تاريخيا و كان شعره يدرس في بعض المدارس في دولنا ولكن لا يتم ذكر ميوله الجنسية ومحاولة اخفائها من النصوص المختارة، ولقد كانت العرب تحفظ أشعاره حتى مطلع القرن العشرين،حتى تم تحريم أشعاره ومنع تداول كتبه في المكتبات. وقد قامت وزارة الثقافة المصرية باحراق 6000 نسخة من شعره في عام 2001 بعد الرضوخ لضغوطات الإسلاميين الأصوليين ولا بد أن لهذا الأمر دلالات مهمة على صعيد القيود الاجتماعية والحريات الفردية والقوانين الدينية والأخلاقية فأعمال ذلك الوقت لا تعبر فقط عن جنسانية قائليها بل ربما كانت انعكاس للمجتمع الذي كانوا يعيشون فيه.  

السؤال الأهم، لماذا يتم اغتيال الشخصيات التاريخية ذات  الجنسانية غير المعيارية من التاريخ؟! ويتم إعادة كتابة التاريخ بشكل معياري غيري أبوي، وغض النظر عن الإنجازات التي قامت بها تلك الشخصيات، في زمن “الانفتاح والتقبل” وخاصة في عصر مسيرات الفخر بالأشخاص غير المعياريين/ات، فما هو الواجب المفترض القيام به، لزيادة الوعي حول تلك الشخصيات وأن يكونوا جزءا من فخرنا، فهل يكون محصور فقط بألوان القوس قزح أم يجب أن يشمل إنجازات أفراد المجتمع وتاريخهم المجيد؟