كتابة: خلف يوسف
تحرير: موسى الشديدي
تدقيق لغوي: يزن مخامرة
تصوير: كامي لياج

 

عاش هيت – أو هيث – في زمن النبي محمد (ص)، و كان من الرجال الذين يعرفون باسم (المخنثين)، إلا أنه لا يعرف عن حياته وصفاته الشيء الكثير، ولم تذكر كتب التاريخ أو السير والتراجم الرجل عن حياته إلا ما أورده الإمام الحافظ بن حجر العسقلاني في كتابه “الإصابة في معرفة الصحابة ” الجزء6 صفحة 564، حيث قال هناك ما نصه (بتصرف):
“كان رجلاً مخنثاً يدخل على أزواج النبي محمد يقال له ‘هيت’ و أصل القصة أن هذا الرجل الذي اسمه ‘هيت’ قد نفاه النبي محمد خارج المدينة لأنه وصف جسم و مشية امرأةً لعبد الرحمن بن أبي بكر حيث قال له: (بما معناه) “إذا فتحتم الطائف غداً فأنصحك أن تأخذ ابنة غيلان سبية لك، لأنها إذا مشت مقبلة عليك فكأنها تقبل بأربع، وإذا أدبرت عنك وهي ذاهبة فإنها تدبر بثمان”، فعلم بذلك النبي محمد فقال: “لا تدخلوا المخنثين في بيوتكم”.

وفي رواية أن رجل خطب امرأة بمكة فقال من يخبرني عنها فقال رجل مخنث يقال له “هيت” أنا أنعتها لك: “هي إذا أقبلت تمشي على اثنتين، وإذا أدبرت ولت تمشي على أربع”، فقال النبي محمد: “ما أرى إلا منكراً وما أراه إلا يعرف النساء”، وكان يدخل على سودة زوجة النبي فنهاها النبي أن تستقبله عندها، فلما جاء النبي إلى المدينة طلب أن ينفوا “هيث” المخنث خارجها، فبقي “هيث” منفياً خارج المدينة إلى زمن خلافة “عمر بن الخطاب”، فكان “عمر بن الخطاب” يسمح له أن يدخل المدينة، فيتصدق عليه الناس يوم الجمعة.

وذكر “إبن وهب” قصة “هيت” المخنث في كتابه “الجامع” فقال: “أن النبي “محمد” نفى “هيث” المخنث الى منطقة يقال لها “عير جبل” بالمدينة المنورة عند ميقات ذي الحليفة، فطلبوا جماعة من الصحابة بأن يسمحوا له أن يدخل المدينة خوفاً من أن يموت جوعاً، فسمحوا له أن يدخل المدينة كل يوم جمعة فيحصل على طعامه وشرابه لمدة أسبوع ثم يرجع إلى المكان الذي نفاه اليه النبي محمد، و بقي على حاله هذا حتى مات”.

قال الإمام “أبو عبيد البكري” في كتابه “شرح أمالي القالي”: “أنه كان يوجد بالمدينة ثلاث رجال مخنثين، و كان يسمح لهم أن يدخلوا على النساء فلا يحجبون عنهن، وهم: ” هيت وهدم ومانع”.”

 

الظاهر من النصوص التي تروي الحديث أن النبي نفى “هيث” خارج المدينة ليس لأنه مخنثاً، ولكن لأنه ارتكب ما يوجب نفيه خارج المدينة

 

ويوجد نص آية من القرآن الكريم تقول: “……وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ…… أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ……”، وهنا عدّوا المخنثين من الرجال الغير أولي الاربة، يعني الذين لا يرغبون النساء جنسياً، ولهذا كان يؤذن لهم في الدخول على نساء النبي والصحابة، إلا أن قصة هيت وما حدث له تضعنا في حيرة، وهي منع المخنثين من الدخول إلى بيوتهم، و بنفس الوقت سماح القرآن لهم، فهل منعوا من الدخول إلى بيوتهم ؟ أم أن النبي نفى “هيث” لأنه أفشى خصوصية لا ينبغي أن يتحدث بها للناس؟ الظاهر من النصوص التي تروي الحديث أن النبي نفى “هيث” خارج المدينة ليس لأنه مخنثاً، ولكن لأنه ارتكب ما يوجب نفيه خارج المدينة. ويوجد نص حديث مشهور عن ابْنِ عَبَّاسٍ قال: “أَنَّ امْرَأَةً مَرَّتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَقَلِّدَةً قَوْسًا فَقَالَ : لَعَنَ اللَّهُ الْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ” الْحَدِيثَ . وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ ” لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُخَنَّثِينَ مِنْ الرِّجَالِ، وَالْمُتَرَجِّلَاتِ مِنْ النِّسَاءِ”.

قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ: “الْمُخَنَّثُ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِهَا مَنْ فِيهِ انْخِنَاثٌ ، وَهُوَ التَّكَسُّرُ وَالتَّثَنِّي كَمَا يَفْعَلُهُ النِّسَاءُ…” إلا أن هناك حديث آخر مشهور بعدة طرق وروايات يضع توضيحاً أو استثناءً لهذا اللعن، وهو ما جاء في صحيح مسلم وغيره، و اللفظ للأمام مسلم هو: “…. إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَرْضَى كَمَا يَرْضَى الْبَشَرُ، وَأَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ، فَأَيُّمَا أَحَدٍ دَعَوْتُ عَلَيْهِ مِنْ أُمَّتِي بِدَعْوَةٍ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ أَنْ يَجْعَلَهَا لَهُ طَهُورًا وَزَكَاةً وَقُرْبَةً يُقَرِّبُهُ بِهَا مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”.

ورواية أخرى: “اللَّهُمَّ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ سَبَبْتُهُ أَوْ لَعَنْتُهُ أَوْ جَلَدْتُهُ فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَرَحْمَةً……”. لذلك استثنى الفقهاء المخنثين الذين خُلِقوا هكذا ولم يتصنعوا التخنث من هذا اللعن كما صرح بذلك الامام السرخسي الحنفي في كتابه “المبسوط” حيث قال هناك:
“….. وَالْكَلَامُ فِي الْمُخَنَّثِ عِنْدَنَا أَنَّهُ إذَا كَانَ مُخَنَّثًا فِي الرَّدَى مِنْ الْأَفْعَالِ فَهُوَ كَغَيْرِهِ مِنْ الرِّجَالِ بَلْ مِنْ الْفُسَّاقِ يُنَحَّى عَنْ النِّسَاءِ وَأَمَّا مَنْ كَانَ فِي أَعْضَائِهِ لِينٌ وَفِي لِسَانِهِ تَكَسُّرٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ وَلَا يَشْتَهِي النِّسَاءَ وَلَا يَكُونُ مُخَنَّثًا فِي الرَّدَى مِنْ الْأَفْعَالِ فَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا فِي تَرْكِ مِثْلِهِ مَعَ النِّسَاءِ…..”، بمعنى أن هناك قسمين من المخنثين، قسم يتظاهر بالتخنث و يتصنع بها ، و قسم آخر خلقه الله على هذه الهيئة.

و جاء في كتاب “التمهيد” لابن عبد البر في فقه المالكي ما نصه:
“….. وَلَيْسَ الْمُخَنَّثُ الَّذِي تُعْرَفُ فِيهِ الْفَاحِشَةُ خَاصَّةً وَتُنْسَبُ إِلَيْهِ ، وَإِنَّمَا الْمُخَنَّثُ شِدَّةُ التَّأْنِيثِ فِي الْخِلْقَةِ حَتَّى يُشْبِهَ الْمَرْأَةَ فِي اللِّينِ وَالْكَلَامِ وَالنَّظَرِ وَالنَّغْمَةِ ، وَفِي الْعَقْلِ وَالْفِعْلِ ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ فِيهِ عَاهَةُ الْفَاحِشَةِ أَمْ لَمْ تَكُنْ ، وَأَصِلُ التَّخَنُّثِ التَّكَسُّرُ وَاللِّينُ ، فَإِذَا كَانَ كَمَا وَصَفْنَا لَكَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِي النِّسَاءِ أَرَبٌ ، وَكَانَ ضَعِيفَ الْعَقْلِ لَا يَفْطَنُ لِأُمُورِ النَّاسِ أَبْلَهُ ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مِنْ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ الَّذِينَ أُبِيحُ لَهُمُ الدُّخُولُ عَلَى النِّسَاءِ……” مع التحفظ على بعض ما جاء في كلام الإمام “بن عبد البر” إلا أن الشاهد في كلامه هو التقسيم إلى نوعين، أن هناك قسم من المخنثين في أصل الخلقة، و قسم آخر يتصنع ويتظاهر بالتخنث.

 

المخنث في التاريخ الإسلامي:

بالعودة إلى موضوع المقال، فلا يعرف عن حياة “هيث” إلا ما ذكرنا، لذلك سنحاول أن نفهم حال “هيث” المخنث من خلال ما ذكرت كتب التاريخ والتراجم عن بعض المخنثين وما عرف عنهم. إليك عزيزي القارئ ما جاء في كتاب “المنتظم” لكاتبه “إبن الجوزي” في ترجمة رجل يدعى “عبد الله بن سريج”:
“ولد في خلافة عمر بن الخطاب، و كان نائحاً، ثم صار من مشاهير المغنين وكبارهم، و كان “آدم” أحمر ظاهر الدم سفاطاً، وفي عينه فتل وفي رأسه صلع وكان منقطع إلى “عبد الله بن جعفر”، وذكر “الكلبي” عن أبيه قال: “كان “ابن سريج” مخنثاً أحولاً وأعمشاً، وكان أحسن الناس غناءً، وغنى في زمن “عثمان بن عفان”، وقال غيره: “كان مغني أهل مكة “ابن سريج” ومغني أهل المدينة “معبد””.

وجاء أيضاً في كتاب “مجمع الأمثال” لكاتبه “الميداني” ما نصه:
“اسمه “نافذ”، وكنيته “أبو يزيد”، وهو ممن خصاهم “ابن حزم الأنصاري” أمير المدينة في عهد “سليمان بن عبد الملك بن مروان”، وذلك أنه أمر “ابن حزم” عامله أن يحص له مخنثي المدينة، فتشظى قلم الكاتب فوقعت نقطة على ذروة الحاء فصيرتها خاء، فلما ورد الكتاب المدينة ناوله “ابن حزم” كاتبه فقرأ عليه “اخصِ المخنثين” فقال له الأمير: “لعله أحص بالحاء، فقال الكاتب: إن على الحاء نقطة مثل تمرة، ويروى مثل “سهيل”، فتقدم الأمير في إحضارهم، ثم خصاهم، وهو “طويس، ودلال، ونسيم السحر، ونومة الضحا، وبرد الفؤاد، وظل الشجر”، فقال كل واحد منهم عند خصائه كلمة سارت عنه:
فأما طويس فقال: ما هذا إلا ختان أعيد علينا
وقال دلال: بل هذا هو الختان الأكبر
وقال نسيم السحر: بالخصاء صرت مخنثاً حقاً
وقال نومة الضحا: بل صرنا نساءً حقاً
وقال برد الفؤاد: استرحنا من حمل ميزاب البول
وقال ظل الشجر: ما يصنع بسلاح لا يستعمل

قالوا: “وكان يبلغ من تخنث “دلال” أنه كان يرمي الجمار في الحج بسكر سليماني مزعفراً مبخراً بالعود المطري، فقيل له في ذلك، فقال: “لأبي مُرة (أبو مُرة: كنية إبليس) عندي يد فأنا أكافئه عليها، قيل: وما تلك اليد؟ قال: حبب إلي أَلْأَبَنَة….” والميزاب هو الماسورة التي توضع في سقف البيت لتصريف مياه الأمطار، و أَلْأَبَنَة هي ممارسة الجنس الشرجي، ومعنى ما سبق باختصار أنه كان في المدينة المنورة 6 من المخنثين في زمن الخليفة الأموي “سليمان بن عبد الملك بن مروان”، فبعث الخليفة رسالة إلى أمير المدينة بأن يحصي عدد المخنثين في المدينة المنورة فقال: “احصِ المخنثين في المدينة “، فسقطت قطرة من الحبر من قلم الكاتب فوقعت فوق حرف الحاء، فتحولت كلمة احصِ إلى كلمة اخصِ، فراحوا ضحية خطأ مطبعي! إلا أن سماتهم الطيبة من جمال الروح وخفة الظل التي كانوا يتسمون بها عموم المخنثين، أنهم جعلوا من هذه الحادثة طرفة ونكتة يضحكون بها وعليها. هذا ونلاحظ من خلال بعض كلام هؤلاء المخنثين أن بعضهم يتمنى بأن يكون امرأة، وبالتالي يمكن أن نقول أن بعض المخنثين هم من (يطلق عليهم حديثاً) العابرات جندرياً أو Transgender women.

 

الفن والتخنث في المجتمعات الإسلامية:

جاء في كتاب “الوافي بالوفيات” للصفدي الجزء 19 الصفحة 143 ما نصه:
“الغريض المغني عبد الملك. أبو زيد؛ هو الغريض أحد رؤساء المغنين. كان شجي الغناء حسنه. وحيد المعنى غريبه، أكثر الناس تعريضاً في غنائه بما في نفسه، وكان مخنثاً وضيء الوجه، فائق الجمال، غض البدن، أسود النقرة، حسنها، ينعم نفسه ويصنعها كما تتصنع العروس”.

و أيضاً جاء في كتاب “تبصير المنتبه بتحرير المشتبه” لابن حجر الجزء 1 الصفحة 134: “الدلال بالتخفيف: مغنٍ مشهور، ومدني مخنث له حكايات ونوادر”.

وجاء في كتاب “المستقصى” في أمثال العرب للزمخشري:
“فند: هو مغنٍ مخنث كان في المدينة، بعثته مولاته “عائشة بنت سعد بن أبي وقاص” ليقتبس ناراً، فذهب إلى مصر وأقام فيها حولاً، ثم جاء بالنار وهو يعدو فتبدد الجمر فقال: تعست العجلة ……..”.

وجاء في كتاب “الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر” للإمام “الخلال الحنبلي” ما نصه:
“كان “الهيثم” الذي يقرأ بالألحان مملوكاً لرجل، وكان مخنثاً. فحبسه مولاه في السجن، وحلف عليه ألا يخرج من السجن حتى يقرأ القرآن، ووضع فيه هذه الألحان”. والمقصود من الألحان هنا، هي المقامات الموسيقية والتغني بالقرآن. وقد جاء في الأثر عن النبي أنه قال: “زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ”.

و أخيراً وليس آخراً، نذكر هنا ما جاء عن “أنجشة الحبشي” الصحابي المخنث في كتاب “عمدة القاري” ما نصه:
“…. قَالَ الْبَلَاذِرِيُّ: كَانَ أَنْجَشَةُ حَبَشِيًّا، يُكَنَّى أَبَا مَارِيَةَ، وَفِي التَّوْضِيحِ: أَنْجَشَةُ غُلَامٌ أَسْوَدُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ذَكَرُوهُ فِي الصَّحَابَةِ. قُلْتُ: ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ فِي (الِاسْتِيعَابِ): أَنْجَشَةُ الْعَبْدُ الْأَسْوَدُ، كَانَ يَسُوقُ، أَوْ يَقُودُ بِنِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَكَانَ حَسَنَ الصَّوْتِ، وَكَانَ إِذَا حَدَا اعْتَنَقَتِ الْإِبِلُ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” يَا أَنْجَشَةُ، رُوَيْدَكَ بِالْقَوَارِيرِ”. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ وَاثِلَةَ أَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ نَفَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُخَنَّثِينَ “.

 

الخاتمة:

هناك الكثير من تراجم المخنثين في التاريخ لا أريد أن أذكرها هنا بإيجاز، فلو نظرنا في أحوال هؤلاء المخنثين لوجدنا أنهم يتمتعون بحس الفكاهة والطرافة حتى في أحلك الظروف وأصعبها، وهذه خصلة نادرة جداً. وأنهم يتمتعون بالذوق الفني والجمالي لامتهانهم الغناء والتلحين. وكذلك عُرِفَ عنهم اهتمامهم بجمالهم وحُسن مظهرهم، فهل من الممكن أن نفهم ونقرأ “هيث” المخنث من خلال هؤلاء، خصوصاً وأنه عاش في أيام النبي محمد(ص) صحابياً مخنثاً اسمه “أنجشه الحبشي” الذي عرف عن جمال صوته في الحداء أو الغناء؟ في الأغلب أن “هيت” أو “هيث” كان يتمتع بتلك الخصال، لذلك لا نتعجب أن النبي محمد والصحابة – ومنهم عمر بن الخطاب – كانوا يسمحون لهم بالدخول إلى بيوتهم وعند نسائهم لما يحملون في قلوبهم من براءة وتلقائية، ما جعلهم محبوبين و مرحب بهم لأنهم مصدراً للسعادة والتسلية.

ختاماً نقول أن المخنثين أنواع وليس نوعاً واحداً، وأقصد هنا من ناحية الهوية الجنسية والجندرية. فلا يشترط من المخنث أن يكون عابر/ة جندرياً، ولا يشترط من كونه مخنثاً أن يكون ذا ميول جنسية مثلية، فمن الممكن أن يكون مخنثاً وغيري الجنس، ومن الممكن أن يكون مخنثاً وأن يكون لا جنسي، وهكذا. أما بالنسبة لما يخص “هيث” أو “هيت”، فعلى الأغلب أنه كان مخنثاً لا جنسياً، بمعنى أنه لا يرغب بالجنس مع أياً كان، لهذا سمح له بالدخول على ازواج النبي محمد.